علماء البيئة العرب

مما يستوقف النظر في هذا المجال كتاب الحيوان للجاحظ (163-255هـ) الذي تحدث عن المشاهدات البيئية الصادقة للحيوانات، وتحدث عن تصرفات وسلوك ونمو الحيوانات، وعن علاقات الحيوانات ببعضها، وفي كتابه ملاحظات قيمة في التطور وأثر البيئة على غرائز الحيوانات. فنجد في فصل أنواع الحيوان في كتابه هذا التقسيم التالي:
1- تسمية الحيوان وبيان جنسه وأنواعه وأشباهه.
2- الكلام عن أعضائه وتطوراته وألوانه.
3- بيان طعامه وشرابه وسلاحه وصنعته ونفعه وضرره.
4- بيان مواطنه وأثر الطبيعة فيه وعلاقته بغيره من الحيوان.
والجاحظ هو أول من أخضع الحيوان للتجارب ويعتبر أول من أشار إلى أسلوب المكافحة الحيوية فنجده قد جمع الذباب مع البعوض في غرفة واحدة وتوصل إن الذباب يفني البعوض.
ونقف أيضاً عند كتاب (حياة الحيوان الكبرى) للعالم كمال الدين الدميري (742-808هـ) حيث يعتبر جامعاً لأسماء حيوانات البر والبحر والجو وقد تطرق للكشف عن مكان كل حيوان في الشجرة الحيوانية، كما أنه درس بيئة الحيوان وطباعه وغداءه بطريقة علمية اعتمدت على المشاهدة والتجربة.
فالدميري هو أول من تكلم عن علم المشاركة أو التكامل بين الأحياء وليس كما يقول الغربيون أنه ينسب إلى الفيلسوف الألماني غوته صاحب كتاب (فاوست).
وقد ورد في كتاب الدميري عند الكلام عن الضّب أن بينه وبين العقارب مودة فذلك يؤويها في جحره لتلسع المفترس إذا أدخل يده لأخذه، والثابت حقاً أن العقارب تختفي في جحور الضب، وهكذا فقد درس الدميري الحيوانات جميعاً وأفراد لكل حيوان فصلاً خاصاً به، تحدث فيه عن هذا الحيوان من حيث التعريف، وإلى أي فصيلة ينتمي، وكيفية تناسله وغذائه وغيره.
وقد تناول ابن مسكويه (ت421هـ) في كتابه (الفوز الأصغر) تقسيم الكائنات الحية إلى مراتب من ناحية حركة النفس أي حركة القوة. وقد تكلم في كتابه (تهذيب الأخلاق) عن تسلل الكائنات الحية من ناحية قوة الفهم والإدراك.
تحدث ابن سينا (370-428هـ) في كتابه (الشفاء) حيث وصف تكون المستحاثات واستخدام الأحافيز البحرية (الأصداف) للدلالة على أن أجزاء من الأرض كان يغمرها البحر في سالف الأزمان وتحدث عن الحيوان والنبات.
وقد اهتم الأصمعي (122-216هـ) بدراسة الجراد فتحدث عن أطواره وسلوكه، واهتم أيضاً بالتوسع في التحدث عن بعض الحيوانات ومن مؤلفاته (كتاب خلق الفرس) وكتاب (الخيل) وكتاب (الإبل) و(كتاب الشاء) و(كتاب الوحوش) و(كتاب النبات والشجر).
ويبرز ابن البيطار (توفي 646هـ) علماً من أعلام علم النبات حيث درس النبات في منابته والأرض التي تنبته والعوامل البيئية المختلفة التي تؤثر عليه.
وهكذا نلاحظ أن علماء العرب والمسلمين لم يعزلوا علم البيئة عن علم النبات والحيوان والمعادن، بل دائماً كانوا يربطون الحيوان والنبات بيئته ويتحدثون عن العلاقات فيما بين الحيوانات مع بعضها البعض. وبهذا أرسى هؤلاء العلماء قواعد علم البيئة وبذلوا كل ما بوسعهم في تجديد المعارف وتطويرها ونقد أو تغيير ما ورثوه عن اليونان والرومان والهند والفرس.
وقد تناسى علماء الغرب في كتاباتهم التحدث عن هذا الجهد العظيم في علم البيئة من قبل العلماء العرب والمسلمين والذي كان في الفترة ما بين (840-1400م) والتي تتصف بالركود في علم الحيوان والنبات والبيئة بالنسبة للحضارات الأخرى.
ونتابع نظرتنا التاريخية لنقف عند الحضارة الغربية وإسهامات في دراسة البيئة، فقد بدأت المحاولات العلمية الجادة في الفكر الغربي لدراسة علم البيئة في نهاية القرن الثامن عشر، وذلك بعد أن قام العالم الفرنسي دومر (1683-1775م) بدراسة التاريخ الطبيعي للحشرات والذي احتوى على قسم كبير من المعلومات البيئية.
وفي بداية القرن العشرين ظهرت مجموعة من البحوث التي قام بها العلماء البيئة من النواحي السكانية والجماعية، وأخذ علم البيئة بالتطور السريع، ونشرت بعض المراجع البيئية منها: مبدأ البيئة الحيوانية عام (1949م) والتجمعات الطبيعية عام (1952م)، وهذا الأخير عالج مشكلة المجتمع عن طريق العوامل الفيزيائية والإقليمية والغذائية، وقد تشكلت جمعيات ومدارس بيئية مختلفة، حيث كان كليمنت وغيره من رواد المدرسة الأمريكية، ودوري وروسيل من رواد المدرسة البيئية الفرنسية، كما ساهمت المدرسة الروسية بدراسات بيئية هامة. وحالياً تقف البحوث البيئية على عتبة الدنيا الواسعة غير المكتشفة لعلم بيئة الفضاء ويقترب احتمال القيام برحلات إلى الكواكب المجاورة لدراسة ظروفها المناخية، والإحيائية أو اللاإحيائية المتعلقة بها.